بورتريه: الفقيد عبد الرحمن اليوسفي - النشأة، النضال، السجن، حكم الإعدام...

festv1.ma/مريم مبرور
غادرنا اليوم، إلى جوار الرفيق الأعلى، وجه سياسي بارز، ومناضل قدم الكثير لبلده المغرب، عبد الرحمن اليوسفي، عن عمر يناهز 96 سنة، عبد الرحمن رجل عرف بنشاطه الحافل بالانتصارات والانكسارات، ذاق العذاب وولج السجن عدة مرات، اعتقل وحوكم ونفي، ولم يخضع لقوى الاحتلال، بل ظل ثابتا متشبثا بموقفه رغم الألم.
ولد عبد الرحمن اليوسفي بعروس الشمال طنجة ذات يوم مارسي بارد، يؤرخ لولادة رجل من عملة نادرة، جاءنا الثامن من مارس من سنة 1924 بعبد الرحمن، درس الرجل وولج الجامعة فحصل على شهادة الإجازة في القانون، بالإضافة إلى دبلوم الدراسات العليا في العلوم السياسية، ناهيك عن دبلوم المعهد الدولي لحقوق الإنسان.
انطلق اليوسفي في نشاطاته السياسية عبر تنظيم طبقة العمال بالدار البيضاء في الفترة الممتدة بين 1944 و1949، ثم التجأ إلى خدمة العمالة المغربية المهاجرة في فرنسا في نشاط دام لما يناهز ثلاث سنوات أي من سنة 1949 إلى غابة 1952. المحفل السياسي للفقيد لم ينته عند هذا الحد، بل تجاوزه إلى مشاركته في تنظيم وإدارة حركة المقاومة وجيش التحرير، الخطوة التي أتت بعد عزل الفرنسيين للملك محمد الخامس، في الفترة المتراوحة ما بين 1953 و1956. تلا ذلك تأسيس الرجل المناضل الكبير عبد الرحمن اليوسفي رفقة كل من المناضلين المهدي بن بركة ومحمد البصري والمحجوب بن الصديق وعبد الرحيم بوعبيد وعبد الله إبراهيم الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، هذا الاتحاد الذي انشق عن حزب الاستقلال عقب ثلاث سنوات من حصول المغرب على استقلاله أي في سنة 1959.
لم يسلم الرجل من تذوق طعم الاعتقال والمحاكمة والنفي، حيث تم اعتقاله في دجنبر من سنة 1959، مع رفيقه محمد البصري، وذلك عبر اتهامهما بالتحريض على العنف والنيل من الأمن الوطني للدولة والأمن العام، ليفرج عنه بعد ذلك. سلسلة الاعتقالات لم تنته عند هذا الاعتقال، فقد اعتقل اليوسفي مجددا في يوليوز سنة 1963 مع جميع أعضاء اللجنة الإدارية للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وذلك بتهمة التآمر، حوكم اليوسفي وصدر عليه حكم بالسجن مدة سنتين مع وقف التنفيذ، وعفي عنه عام 1965.
في نونبر من سنة 1965، توجه عبد الرحمن إلى باريس الفرنسية من أجل الإدلاء بشهادته كطرف مدني في محاكمة مختطفي المناضل المهدي بن بركة، ليقرر في ذلك الحين الاستقرار في فرسنا لمدة 15 سنة مختارا النفي، وفي هذا الوقت كانت محاكماته تجري أطوارها في مراكش طيلة السنوات الممتدة من 1969 إلى حدود 1975، حيث طالب المدعي العام بإقرار حكم يقضي بإعدام اليوسفي، غير أن الحكم تغير بعد 5 سنوات، إذ صدر عفو في حق الرجل في 20 غشت من سنة 1980، ليعود إلى بلده المغرب عقب شهرين من حصوله على العفو أي في شهر أكتوبر من السنة ذاتها.
عند عودته إلى المغرب، وبعد مرور ما يناهز 13 سنة، استقال عبد الرحمن من وظائفه السياسية أي سنة 1993، هذا القرار أتى بعد صدور نتائج الانتخابات التشريعية ونهجه الرجل كأسلوب يحتج به ومن خلاله على ما طرأ من تلاعب في تلكم الانتخابات، ليغادر مجددا في شتنبر من السنة ذاتها إلى فرنسا، لكن زملاءه لم يدعوه هذه المرة يستقر فيها طويلا، فعاد بعد ضغط كبير من قبلهم. ثم إنه وفي سياق الإصلاحات الجديدة، شغر اليوسفي منصب الأمين العام للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في غشت 1995. ليدخل أخيرا في مصالحة مع الحكم في المغرب، حيث عين وزيرا أولا في فبراير 1998، واستمر في مهامه إلى حدود نونبر 2002.
مهام عديدة ومناصب كثيرة هي تلك التي شغرها الراحل عبد الرحمن اليوسفي، إذ انطلق كعضو في حزب الاستقلال سنة 1943، ثم اشتغل كمحام لدى محاكم طنجة من 1952 إلى 1960، ثم نُصب في منصب عميد سلك المحاماة في المدينة ذاتها سنة 1959، ثم عضوا للأمانة العامة للاتحاد الوطني للقوات الشعبية من الفترة الممتدة من 1959 إلى 1967. أيضا حاز على منصب رئيس تحرير جريدة "التحرير"، التي كانت تصدر عن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. منذ تأسيس الحزب سنة 1975 عُين الرجل كمندوب دائم للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في الخارج، ثم كعضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية منذ مؤتمره الثالث عام 1978. وفي الفترة المتراوحة ما بين 1969 و1990 اشتغل كاتبا عاما مساعدا لاتحاد المحامين العرب. ثم ككاتب عام للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية منذ وفاة كاتبه العام السابق عبد الرحيم بوعبيد في 8 يناير 1992. وأخيرا عين وزيرا أولا من 4 فبراير 1998 إلى غاية 9 أكتوبر 2002.
ألف الرجل كتابا يروي من خلاله مذكراته وضمنه بشذرات من ذاكرته وسيرته السياسية. لم ينل الرجل ما يستحقه من جوائز فقد اقتصرت جوائزه على جائزة يتيمة هي جائزة شمال جنوب وذلك سنة 1999، يذكر أن هذه الجائزة منحت له لالتزامه المتعمق بحماية والدفاع عن حقوق الإنسان وكذا الديموقراطية وتقدم من أجل تعزيز الشراكة والتضامن شمال-جنوب.