الشرق الأوسط بين تعقيدات السلطة وإرادة الشعوب… لا حاجة لنظريات المؤامرة

بقلم: ع.لخضر //
في زمن يموج بالأزمات والتحولات، يعود البعض إلى تفسيرات مريحة وسهلة، من قبيل أن "الموساد يقود الشارع العربي"، أو أن الخارج يتحكم بكل حراك أو احتجاج. لكن هل حقًا ما يحدث في العالم العربي يمكن اختزاله في يد خفية تدير اللعبة من وراء الستار؟ الواقع أكثر تعقيدًا، والأهم من ذلك: أكثر قدرة على إنتاج الأمل، حين ننظر إليه من زاوية فاعلية الشعوب لا من وهم السيطرة التامة.
أولًا: المنطقة ليست كتلة واحدة… ولا تقبل التبعية الكاملة.
الشرق الأوسط ليس وحدة صماء يمكن توجيهها بزر من الخارج. هو فسيفساء من التيارات السياسية والفكرية؛ قوميون، إسلاميون، ليبراليون، يساريون… كل تيار يحمل مشروعًا مختلفًا ومرجعية متباينة. كما أن المصالح الوطنية ليست متطابقة، فما يشغل الجزائر أو العراق قد لا يعني قطر أو الأردن، والعكس صحيح. أما الرأي العام، فله دينامياته الخاصة، من الرباط إلى بغداد، تحركه فلسطين تارة، وغلاء المعيشة تارة أخرى، دون أن يحتاج لـ"إملاءات أجنبية".
ثانيًا: الفاعلون الحقيقيون ليسوا في الخارج فقط
صحيح أن الخارج يتدخل، لكن الفاعلين الأساسيين يظلون في الداخل:
الأنظمة السياسية تسعى إلى الحفاظ على استقرارها وفق حسابات داخلية، لا إملاءات فقط.
المجتمع المدني، من صحافة ونقابات وناشطين وشباب، أصبح أكثر قدرة على التعبئة.
حتى الفواعل غير الرسمية، كالحركات الاحتجاجية أو الجماعات المسلحة، تستمد قوتها من السياقات المحلية لا من غرف مظلمة في الغرب.
ثالثًا: صراع النفوذ… لا هيمنة مطلقة
لا يمكن إنكار أن قوى مثل إسرائيل، إيران، تركيا، أو أمريكا، تحاول التأثير في المنطقة. لكن ليس لأي طرف اليد العليا الكاملة. إسرائيل مثلًا، رغم كل أدواتها الاستخباراتية، لا يمكنها التأثير في شعوب لا تعترف بشرعيتها أصلًا. التعدد الإقليمي والدولي يمنح بعض هامش المناورة، بل وحتى المقاومة، للدول والمجتمعات العربية.
رابعًا: ما الذي يصوغ الرأي العام فعلًا؟
ما يحرك الناس في الشارع العربي أعمق من أي "سيناريو مخابراتي":
القضية الفلسطينية، كرمز للكرامة والحق.
الفقر والبطالة والفساد، كوقود دائم للاحتجاج.
الحاجة لاسترجاع السيادة الفعلية، لا الخطابات الوطنية الفارغة.
ووسائل التواصل الاجتماعي التي باتت سلاحًا بيد الشعوب، أكثر مما هي وسيلة تحكم خارجي.
ختامًا: لنُعطِ الشعوب ما تستحقه من احترام
نظرية أن الشارع العربي لعبة في يد الخارج ليست فقط خاطئة، بل مهينة. إنها تهمّش وعي الناس، وتجعلهم ضحايا دائمين لا فاعلين.