القاعدة الاجتماعية والقاعدة القانونية

القاعدة الاجتماعية والقاعدة القانونية
القاعدة الاجتماعية والقاعدة القانونية
ع.لخضر // التمييز بين القاعدة الاجتماعية والقاعدة القانونية وتعدد أشكال الرقابة الاجتماعية في المغرب في كل مجتمع، تشكّل القواعد التي توجه سلوك الأفراد إطارًا عامًا ينظّم التفاعلات بينهم وبين مؤسسات الدولة. وفي المغرب، الذي يتميز بتنوعه الثقافي الغني الممتد بين الأمازيغية والعربية، والمتشبع بالقيم الإسلامية والتأثيرات الحداثية، تبرز أهمية التمييز بين القواعد الاجتماعية (غير الرسمية) والقواعد القانونية (الرسمية)، وفهم دور الرقابة الاجتماعية بأشكالها المختلفة في الحفاظ على التوازن المجتمعي. أولاً: الفرق بين القاعدة الاجتماعية والقاعدة القانونية 1. القاعدة الاجتماعية هي قواعد غير مكتوبة تنبع من العادات والتقاليد والقيم الجماعية المتوارثة، مثل احترام الكبار، آداب الضيافة، أو ارتداء الزي التقليدي في المناسبات. يُفرض احترامها من خلال الضغط الاجتماعي، كالنقد أو الإقصاء. مثال مغربي: تقديم الشاي بالنعناع كرمز للترحيب بالضيف. 2. القاعدة القانونية هي قواعد مكتوبة تسنّها الدولة عبر مؤسساتها الرسمية (كالبرلمان والمحاكم)، وتهدف إلى تنظيم الحياة العامة وضمان النظام العام. مثال مغربي: مدونة الأسرة لسنة 2004 التي تنظم قضايا الزواج والطلاق وحقوق المرأة. ثانيًا: تفاعل القاعدتين في السياق المغربي 1. من القاعدة الاجتماعية إلى القانونية في بعض الحالات، تتحول الأعراف إلى قوانين، كما في تعزيز حقوق المرأة في الإرث ضمن مدونة الأسرة، استنادًا إلى اجتهادات دينية متجددة. 2. حالات صراع بين القاعدتين ▪︎الفصل 490 من القانون الجنائي يُجرّم العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، رغم وجودها في المجتمع بشكل غير معلن. ▪︎تقنين زراعة القنب الهندي (2021) أثار جدلاً بين الدوافع الاقتصادية والقيم المجتمعية التقليدية. 3. التأثير المتبادل أحيانًا تساهم القوانين في تغيير القيم الاجتماعية. مثال: القانون الإطار 51.17 المتعلق بالتعليم الإجباري ساهم في تقليص نسب الأمية، ما غيّر نظرة المجتمع لأهمية التمدرس. ثالثًا: أشكال الرقابة الاجتماعية في المغرب أ. الرقابة غير الرسمية ▪︎العائلة: تُعتبر النواة الأولى لتنشئة الأفراد على القيم المجتمعية، كاحترام الوالدين. ▪︎الدين: يُسهم في توجيه السلوك من خلال التعاليم الدينية والفتاوى. ▪︎الجماعة المحلية: خاصة في القرى، حيث يمارس الجيران والمجالس القروية ضغطًا اجتماعيا فعالًا. ب. الرقابة الرسمية ▪︎القضاء: يُطبق القوانين عبر المؤسسات القضائية كالمحاكم. ▪︎الأمن: يسهر على احترام القوانين وتنفيذها، كما في حملات مراقبة السير. ▪︎الإعلام: يلعب دورًا توعويًا من خلال الحملات الموجهة (مثال: مكافحة التحرش). ج. الرقابة الحديثة ▪︎وسائل التواصل الاجتماعي: تُستخدم كأدوات لنشر الوعي أو التنديد بسلوكيات غير مقبولة، مثل حملة Masaktach لمناهضة العنف ضد النساء. ▪︎المدرسة: تغرس قيم المواطنة وحقوق الإنسان في الأجيال الجديدة من خلال المناهج الدراسية. رابعًا: أمثلة توضيحية من الواقع المغربي 1. مدونة الأسرة (2004): جاءت كمحاولة للجمع بين القيم الإسلامية والمطالب الحداثية، مثل رفع سن الزواج إلى 18 سنة، وقد واجهت مقاومة مجتمعية، لكنها ساهمت في تغيير النظرة إلى وضعية المرأة وحقوقها. 2. جائحة كوفيد-19: فرضت الدولة إجراءات قانونية صارمة، بينما ساهمت مؤسسات دينية وأسرية في تفعيل رقابة اجتماعية داعمة، مثل حثّ الأئمة على الالتزام بالحجر الصحي. 3. النقاش حول الإرث: تُطالب بعض الجهات بتعديل قانون الميراث لتحقيق المساواة بين الجنسين، لكن هذه المطالب تصطدم بعوائق اجتماعية ودينية راسخة. خامسًا: تحديات وآفاق من أبرز التحديات التي يواجهها المغرب في هذا المجال: •التوتر المستمر بين القيم الحداثية والتقاليد المتجذرة. •ضعف تنفيذ بعض القوانين بسبب الغلبة الاجتماعية أو رفض المجتمع (مثال: العنف ضد النساء). •الحاجة إلى تعزيز التربية على المواطنة لخلق انسجام بين القيم الاجتماعية والحقوق القانونية. •الاستفادة من الوسائل الرقمية لنشر الوعي القانوني، مثل تطبيقات الإبلاغ عن الانتهاكات. في السياق المغربي، تبقى العلاقة بين القواعد الاجتماعية والقانونية علاقة ديناميكية ومعقدة، تتأثر بالتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وتشكّل أشكال الرقابة الاجتماعية – سواء التقليدية أو الحديثة – وسائل فعالة لضمان تماسك المجتمع، شريطة التوفيق بين احترام التعدد الثقافي وضمان العدالة والحقوق للجميع.