تأخر النقابات في قرار الإضراب.. بين فقدان المصداقية وغياب الاستراتيجية

ع.لخضر تأخر النقابات في قرار الإضراب... بين فقدان المصداقية وغياب الاستراتيجية في خضم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالمغرب، تطفو على السطح إشكاليةٌ مزمنة تُلقي بظلالها على مصداقية النقابات: التأخر في اتخاذ قرار الإضراب، وكأنه خيارٌ يُستدعى فقط عندما يبلغ السيل الزبى، أو عندما تُغلق أبواب الحوار. فها هي النقابات تُعلن عن إضرابات عامة بعد فوات الأوان، مُتحوِّلةً من أدوات ضغطٍ فاعلة إلى كياناتٍ تائهة في دوامة التأجيل والتردد، مما يُفاقم الاحتقان الاجتماعي ويُضعف ثقة الشغيلة بمؤسساتهم النقابية. 1. التأخر في التصعيد: بين الضغط الحكومي وفقدان البوصلة. لا يُفهم تأخر النقابات في الدعوة للإضراب إلا في سياق غياب رؤية استباقية للتعامل مع الأزمات. فالحكومة، كما تُظهر الوقائع، تُسرع في تمرير قوانين مُقيِّدة للحريات النقابية، مثل مشروع القانون التنظيمي للإضراب الذي يُفرض شروطًا تعجيزية (كإجراءات تستغرق 50 يومًا في القطاع العام و60 يومًا في الخاص)، بينما تظل النقابات عاجزة عن مواكبة هذه الخطوات بسرعة. بل إنها تتحرك فقط بعد أن تُقرَّ القوانين أو تُنفَّذ السياسات، وكأنها تُدارك ما فات بدلًا من أن تمنع الفوات. 2. الانفصال عن واقع الشغيلة: صرخات العمال تُغيّب في دهاليز البيروقراطية. عندما تُعلن النقابة عن إضرابٍ بعد أشهر من الصمت، بينما العمال يعانون يوميًا من تآكل القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار، تُطرح أسئلةٌ عن جدوى هذه الخطوة المتأخرة. فالقرارات النقابية تبدو أحيانًا وكأنها تُصاغ في غرف مغلقة، بعيدًا عن نبض الشارع. كيف تُبرر نقابةٌ مثل "الاتحاد المغربي للشغل" تأجيلها الدعوة للإضراب حتى فبراير 2025، رغم أن مشروع القانون التنظيمي كان يُناقَش منذ 2024؟ . هذا التأخر يُضعف تأثير الإضراب ويُحوِّله إلى مجرد رد فعلٍ عاطفي بدلًا من استراتيجية نضالية ممنهجة. 3. المزايدة على حساب المصلحة العامة: الإضراب كـ"ورقة مساومة" وليس كحقٍّ نضالي. لا يخفى على أحد أن بعض النقابات تُحوِّل الإضرابات إلى أداةٍ للضغط السياسي أو لتحقيق مكاسب شخصية، بدلًا من الدفاع عن حقوق العمال. ففي تعليقات المواطنين، نقرأ اتهاماتٍ بأن النقابات "ركبت موجة المعاناة" لتحقيق أهداف مادية أو لتعزيز نفوذها الانتخابي . بل إن تأخر الدعوة للإضراب أحيانًا يُفسَّر على أنه محاولةٌ لـ"تسخين الأجواء" قبيل الانتخابات، لا أكثر . هذه الممارسات تُفرغ الإضراب من مضمونه النضالي وتُحوِّله إلى مجرد عرضٍ مسرحي. 4. غياب التنسيق: الإضرابات الفردية تُضعف التأثير: تُظهر الوقائع أن النقابات تُعلن عن إضراباتٍ منفردة دون تنسيقٍ مشترك، مما يُفقدها قوتها الجماعية. ففي قطاع الجماعات الترابية، مثلاً، اختلفت النقابات في مواعيد الإضرابات، واختار كل اتحادٍ تنفيذها بشكل انفرادي . هذا التشرذم يجعل الحكومة تتجاهل المطالب بسهولة، بينما تُلام النقابات على "إهدار الزمن الإداري" دون تحقيق نتائج ملموسة . 5. العبث بثقة الشعب: بين وعود النقابات وواقع الخذلان: أصبح المواطن البسيط يتساءل: لماذا تتحرك النقابات بعد فوات الأوان؟، فحين تُعلن عن إضرابٍ بعد أشهر من الصمت، أو بعد أن تتحسن الأجور لبعض الفئات، تُرسل رسالةً بأنها لم تعد قادرة على تمثيل الجميع. بل إن بعض العمال يرفضون الانضمام للإضراب لاعتقادهم أن النقابات "فقدت المصداقية". هذا الانفصال بين القيادات النقابية والقواعد العمالية يُهدد السلم الاجتماعي برمته. وأقول إن العتابُ هنا ليس دعوةً للتخلي عن النضال، بل تنبيهٌ لضرورة إصلاح البنية النقابية، وعلى النقابات أن: - تعتمد *استراتيجيات استباقية تُواكب الأزمات قبل تفاقمها. - تُعزز الشفافية في صنع القرار، عبر إشراك القواعد العمالية في اتخاذ قرار الإضراب. - تتجنب الانفرادية وتعمل ضمن تكتلاتٍ نقابية موحدة. - تستعيد الثقة عبر تحقيق مكاسب ملموسة، بدلًا من الاكتفاء بالخطابات الرنانة. فالشغيلة المغربية تستحق نقاباتٍ تكون في الصفوف الأمامية، لا في في الصفوف الأخيرة.