انتفاضة الوعي..قراءة في احتجاجات الشباب المغربي ضد الإحباط المجتمعي

Festv1// ع.لخضر /
في السنوات الأخيرة، برزت في المغرب موجة احتجاجية شابة متصاعدة، ليست مجرد شرارة عابرة، بل هي تعبير عن "انتفاضة وعي" ضد منظومة من الإحباطات المتراكمة التي تمس صميم عيش المواطن وكرامته. لم تعد الاحتجاجات مقتصرة على مطالب فئوية ضيقة، بل تحولت إلى حركة شاملة تطال بنى الدولة الأساسية: من التعليم المتدهور والخدمات الصحية المنهكة، إلى الضرائب المجحفة وغلاء المعيشة، ناهيك عن المطالبة بحقوق إنسان حقيقية وليس شكلية.
1. التعليم: من سلم الارتقاء إلى دائرة الإحباط
يشكل التعليم العالي العمود الفقري لأزمة الشباب. فمنظومة التعليم، التي من المفترض أن تكون مصنع النخب ومحرك التنمية، تحولت إلى مصدر للإذلال اليومي.
· الاكتظاظ والجودة المتدنية: تعاني جل المدارس من اكتظاظ هائل يفوق طاقتها الاستيعابية، هذا الازدحام يقابله تدنٍّ في جودة التعليم والبنيات التحتية، مما ينتج خريجين يحملون شهادات لكنهم غير مؤهلين لسوق العمل.
· الانقطاع المتكرر: أصبح الإضراب المتكرر للأساتذة جزءاً من الروتين الأكاديمي، مما يهدر الزمن الدراسي للتلاميذ ويعمق الفجوة بينهم وبين المناهج.
· التكلفة الباهظة: رغم أن التعليم العمومي منخفض التكلفة، إلا أن التكاليف غير المباشرة (السكن، النقل، الكتب، المعيشة) تشكل عبئاً ثقيلاً على الأسر محدودة الدخل، مما يهدد مبدأ تكافؤ الفرص.
هذه العوامل مجتمعة تخلق شعوراً عميقاً بالظلم لدى شاب يرى أن جهده في الثانوية لم يُفضِ إلا إلى مستقبل مغلق ومليء بالشكوك.
2. الصحة: بين حق الحياة ورفاهية الأغنياء
يشبه القطاع الصحي في المغرب المريض الذي يحتاج إلى إنعاش عاجل. فالنظام الصحي العمومي يعاني من:
· الاكتظاظ ونقص الموارد: المستشفيات العمومية غارقة في عدد المراجعين، مع نقص فادح في الأطباء المتخصصين والممرضين والأدوية والمعدات الأساسية. الانتظار لشهور للحصول على موعد مع طبيب اختصاصي أصبح أمراً عادياً.
· الخصخصة الخفية: يؤدي تدهور القطاع العام إلى توجيه المواطن نحو القطاع الخاص، الذي أصبح رفاهية لا يقدر عليها إلا القلة. هذا يخلق تمييزاً صارخاً في الحق في الحياة والعلاج بين الفقراء والأغنياء.
· انهيار الثقة: تراجعت ثقة المواطن في النظام الصحي، فأصبح يخشى الذهاب إلى المستشفى العمومي خوفاً من سوء التشخيص أو عدم توفر العلاج.
هذا الوضع يجعل من "الحق في الصحة" المكفول دستورياً شعاراً أجوفا في أذهان الكثيرين.
3. الضرائب: عبء غير عادل في اقتصاد متعب
تعتبر القضية الضريبية من أكثر القضايا إثارة للغضب، فهي تمس جيب المواطن مباشرة.
· العدالة الضريبية الغائبة: يشتكي المواطنون والمقاولات الصغرى من نظام ضريبي معقد وغير عادل، حيث تتراكم الضرائب غير المباشرة (كالضريبة على القيمة المضافة) التي تثقل كاهل محدودي الدخل، بينما تتسرب الثروات الكبيرة عبر ثغرات قانونية أو تهرب ضريبي.
· مقابل غير ملموس: يدفع المواطن ضرائب باهظة دون أن يلمس تحسناً ملموساً في جودة الخدمات العامة (التعليم، الصحة، النقل، الأمن). هذا يخلق شعوراً بأنه يدفع مقابل لا شيء، أو أنه يمول فساداً إدارياً وتبذيراً.
4. الغلاء وانهيار القوة الشرائية
الموضوع الأكثر حضوراً في الحياة اليومية هو الغلاء. فارتفاع أسعار المواد الأساسية (الزيت، السكر، الطحين، الوقود) يحول الحياة إلى معاناة يومية. انهيار القوة الشرائية للعملة يجعل الراتب الشهري لا يكفي إلا لأيام قليلة، مما يدفع بالأسر إلى مزيد من الديون والتقتير على أساسيات العيش الكريم. محاربة الغلاء أصبحت هماً وجودياً يفوق كل هم آخر.
5. حقوق الإنسان: بين النص الدستوري والواقع المر
رغم التقدم على مستوى النصوص الدستورية والقوانين، إلا أن الفجوة بينها وبين التطبيق لا تزال شاسعة. المطالبة بحقوق الإنسان هنا تتجاوز الحقوق السياسية لتشمل:
· الحق في محاكمة عادلة ونبذ التعسف.
· حرية التعبير والتجمهر السلمي دون خوف من المتابعات القضائية غير المبررة.
· الكرامة الإنسانية في التعامل مع المواطن من قبل الإدارة.
· محاربة الفساد كممارسة تنتهك حق المجتمع في ثرواته.
خلاصة: انتفاضة ضد "العقد الاجتماعي" المنتهك
ما تشهده الساحة المغربية ليس مجرد احتجاجات عابرة، بل هو رفض جماعي، خاصة من جيل الشباب الواعي والمتصل بالعالم، لـ "عقد اجتماعي" منتهك. عقد كان يفترض أن الدولة توفر خدمات أساسية وكرامة وحقوقاً مقابل دفع الضرائب والانتماء.
هذه الانتفاضة هي صرخة ضد "اللامبالاة" المؤسساتية، وعلامة على أن صبر الشعب، وخصوصاً شبابه، قد نفد. إنها تضع الحكومة أمام خيارين: إما الإنصات الجدي لهذه المطالب والعمل على إصلاح حقيقي وجذري يبدأ بإعادة الثقة ويركز على تحسين جودة حياة المواطن، أو المخاطرة بتصاعد السخط واتساع رقعة الاحتجاج التي قد تأخذ أشكالاً أكثر حدة في المستقبل. المستقبل الذي يريده الشباب هو مستقبل تُحترم فيه كرامتهم، وتُضمن فيه حقوقهم، وتُوفر فيه حياة كريمة، لا مجرد بقاء.