"سيرة القلم" حلم جدي يتحقق
فاس تيفي1
بقلم الكاتب الدكتور هشام خلوق صالح .
في صغري كنت برأس كبير ومكور لا يتناسب مع ضآلة جسمي النحيل، وفي يوم شاغبت فأمسكت أمي برأسي تحت شجرة الليمون التي كانت تزين واجهة الباب الثاني، وأخذت ترفعني للسماء كريشة وتطرحني على الأرض. عاد جدي من الصلاة، وفتح الباب الأول ليجدني أعنّف، فقال محتدا من بعيد:
- اتركيه وحذار أن تعنفيه مرة أخرى، لقد رأيته في منامي البارحة وقد أصبح من أصحاب الشأن والمكانة بين الناس
حلم جدي كان جذوة أشعلت ثقتي بنفسي، فكنت أقول لأصحابي:
ـ أنا محمول فوق موجة إلى منتهى المجد إن شاء الله...
في المدرسة لم أكن أجهد نفسي في الدرس، بل أطير بتفكيري خارجه بأجنحة كتب صفراء ومجلدات ضخمة لا تناسب حداثة سني، ومع ذلك كنت أرى نفسي متفوقا على جميع أترابي، لأنني أحمل حلم جدي في صدري...
ثم كبرت في التحدي، وكبر معي حلمي...
كنت ولا زلت عاشقا للتحدي، فهو حلم جدي... الوصول السهل لا يروقني، ورغم توفر الكثير من الطرق المعبدة، إلا أن كل اختياراتي جعلتها صعبة ومشددة...
وكثيرا ما راهنت على القفز على الأسوار العالية...
وكثيرا ما استطعت...
وكثيرا ما عجزت على القفز على كرامتي...
وكثيرا ما مررت بفترة شك...
وكثيرا ما سألت نفسي:
- هل كان جدي مخطأ حين تنبأ لي بالشرف الكبير، وهو المتصوف الكريم، القريب من الله؟
ومع كل الأسئلة التي كنت أطرح للنقاش النفسي، لم تتأثر ثقتي بنفسي وبحلم جدي، وظللت راكبا نفس الموجة الصعبة، وتركت لغيري الاستعراض في الزبد...
نعم لقد ظللت... وما ضللت...
نعم هي اختياراتي المجنونة، وهي عهدي ووعدي، وليس ميسّرا للجميع ركوب الصعب والجري وراء الجنون... ففي النهاية يقينا سأعانق جدي...
إنا لله وإنا إليه راجعون...