كورونا واستفحال النزعة الذاتية

كورونا واستفحال النزعة الذاتية

festv1.ma

"واش حنا هوما حنا"، حقا هذه العبارة تتبادر إلى ذهني كثيرا في هذه الآونة، وعززتها أكثر فأكثر الظرفية الاستثنائية التي نعيشها اليوم ..

إننا كأشخاص، نفكر غالبا في ذواتنا ونجعل مصالحنا هي الفضلى في وجه مصالح الغير، ولو خيرنا بين أن نختار ما ينفع الذات الفردية التابعة لنا وما يخدم الذات المنشقة عنا والممثلة للغير، فبديهي أن نختار مصالحنا ونفضلها على مصالح الآخرين، ذلك أن حب الذات يتغلب على حب الغير مهما كانت مكانة هذا الغير في قلوبنا، غير آبهين بحديث الرسول عليه أزكى الصلوات والتسليم والذي يقول " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".

الانشقاق في زمن كورونا لم يتبدى فقط في الانشقاق الحاصل بين الدول، بل لامسناه بين مدن الدولة الواحدة، بل وأحيائها، ليصل صداه في أحايين عديدة إلى أفراد العائلة أو الأسرة الواحدة، حيث صرنا نسمع كثيرا "كلشي تيقول راسي يا راسي، وكأن الساعة قامت"، وفحواه أن الفرد اليوم يفكر في نفسه قبل أن يفكر في أمه حتى، وكأننا في يوم الحشر، حيث يقول المرء نفسي نفسي، وحيث لا ينفع مال ولا بنون، ويوم يفر المرء من أبيه وأخيه وزوجته وبنيه.

كل ما ذكر بديهي ويمكن اعتباره عاديا في ظل التوصيات التي توصي بها المنظمات العالمية للصحة، والجهات الرسمية للدولة التي تصر على ضرورة احترام مسافة الأمان، وعدم التصافح ولا تبادل السلام الذي نعلم أنه في مجتمعاتنا يتعدى فعل التصافح إلى فعل العناق وتبادل وابل من القبل التي ترسل هنا وهناك، وتتطاير غالبا في الهواء. لكن غير العادي ولا البديهي أن تطفو على السطح معضلة، قد أعتبرها أكثر حدة من الوباء الذي انبثقت عنه، والمتجلية أساسا في ظهور "شرذمة" تبحث عن تقسيم البلاد إلى فئة تحمل فكرا راقيا وأخرى فكرها في الحضيض، هل فعلا كورونا اللعين سيحدث هذا الشرخ العميق في علاقات سكان مدننا، تلك العلاقات التي أساسا كانت تتراوح بين مهترئة وبين قريبة الاهتراء، خاصة عند مجموعة من "دعاة العنصرية" الذي يلقبون "الجبلي" بألقاب، ويسندون "للصحراوي" ألقابا أخرى، فهذا "عروبي" وذاك "أمازيغي"، وهذا يقول نحن السكان الأصليون لبلد المغرب، وآخر يمجد عرقه "الريفي"، وهكذا ذوليكم.

عن تفاصيل الموضوع، تم تقسيم مناطق البلاد إلى مناطق تنتمي إلى الفئة ذات التخفيف رقم 1، وأخرى ذات التخفيف رقم 2، الرقمان يشيران إلى مناطق لم تغزها الكورونا، بل زارتها وانطفأ وهجها بسرعة، لدرجة أن صارت معها حالات الإصابات صفرا أو بدأت تؤول وتنصهر نحوه، ومناطق أخرى هي في الأساس تلك المناطق الميتروبولية، أي الأقطاب التي تعرف نشاطا اقتصاديا كبيرا، وكثافة سكانية أكبر، والتي شهدت إصابات عديدات، نرجو لها الشفاء العاجل. إلى هنا الأمر عادي جدا، فكثرة الإصابة وقلتها تعودان إلى الحركة التي تشهدها المناطق، فليس عادلا أن نقارن وهج تفشي فيروس في كثافة سكانية لا تتعدى الألف ونقارنها بأخرى تتجاوز المليون. لكن المؤسف في الأمر، هو أن عددا من المواطنين المنتمين إلى المناطق "المحظوظة" لم يعلنوا مساندتهم المعنوية لساكنة المناطق التي تواجه "قدرها المشؤوم"، بل وهالتنا الصدمة، ونحن نصطدم ومجموعة من المنشورات التي غزت مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تعزي تخلص المناطق التي تنتمي إليها من الوباء إلى وعيها، وجهل غيرها... ومن هذا المنطلق، ولنفترض أن الأمر كما تمت الإشارة إليه مرتبط بالجهل، أليس جديرا بهؤلاء أن ينشروا وعيهم ويجعلوه يتدفق على جميع المناطق، لماذا تركوا وعيهم حبيس ذواتهم، أليس من لجم علما ألجمه الله بلجام من نار، أو ليس جديرا بهؤلاء التآزر ونشر قيم التضامن التي نطبل ونغرد بامتياز ساكنة مغربنا الحبيب بها؟؟؟

مريم مبرور، صحافية وباحثة في تحليل الخطاب