أزمة الصيادلة في المغرب: بين الاكتظاظ المهدد وصراع البقاء الاقتصادي

ع.لخضر// شهدت السنوات الأخيرة طفرة في أعداد خريجي كليات الصيدلة بالمغرب، حيث تُخرِّج جامعات مرموقة مثل محمد الخامس بالرباط والقاضي عياض بمراكش آلاف الصيادلة سنويًا . بينما يبدو هذا مؤشرًا إيجابيًا على تطوير القطاع الصحي، إلا أنه أفرز أزمة وجودية: هل يستطيع هذا العدد المتزايد من الصيادلة تغطية تكاليف استثماراتهم في ظل تراجع الربحية وتفشي المنافسة غير المتوازنة؟ الفصل 1: المشهد الحالي – أرقام صادمة وتحديات هيكلية اكتظاظ مهني غير مسبوق - الجامعات: تضخُّم أعداد الخريجين من 5 جامعات رئيسية (الرباط، مراكش، الدار البيضاء، فاس، تطوان). - التوزيع الجغرافي: 70% من الصيدليات متمركزة في المناطق الحضرية، بينما تعاني المناطق الريفية من نقص حاد . - الكثافة السكانية: في بعض الأحياء الحضرية، توجد صيدلية لكل 3#9000 نسمة – أعلى من المعدل العالمي الموصى به (صيدلية لكل 10#9000 نسمة) . تحديات اقتصادية طاحنة - دخل شهري متدنٍّ: 30% من الصيدليات يحقق دخلها الشهري الصافي أقل من 5#9000 درهم (أقل من الحد الأدنى للأجور في بعض القطاعات) . - التهديد بالإفلاس: 4#9000 صيدلية مهددة بالإغلاق بسبب تراكم الديون وعدم تحقيق أرباح . - التضخم وتكاليف التشغيل: ارتفاع كلفة الكراء والنقل والصيانة بنسبة 25% خلال 3 سنوات . الفصل 2: جدلية الأرباح – بين التقارير الرسمية وواقع المهنة اتهامات بـ"الأرباح الخيالية" - تقرير المجلس الأعلى للحسابات: كشف أن هوامش ربح الصيادلة تصل إلى 57% على بعض الأدوية (مثل تلك التي يقل سعرها عن 166 درهمًا للمصنع) . - مقارنة دولية: هذه النسبة أعلى بكثير من بلجيكا (6.42%) وفرنسا (21.4%) والبرتغال (5.58%) . رد الصيادلة: "الأرباح الظاهرية خادعة" - الربح الصافي لا يتجاوز 8%: بعد خصم تكاليف التشغيل والضرائب ورسوم الموزعين . - مقارنة غير عادلة: الصيدليات في أوروبا تحصل على إيرادات إضافية عبر: - تعويضات عن التلقيح والاستشارات الطبية. - رسوم صرف الوصفات وتمديدها . - انعدام الأرباح في الصيدليات الهامشية: 20% من الصيدليات تعمل بـ"ربح صفري" أو بخسارة . الفصل 3: عوامل تفاقم الأزمة – أكثر من مجرد كثافة عددية السياسات الحكومية والإطار القانوني المعطل - تجميد تفعيل القانون 18-98: تأخر تنصيب المجالس المهنية للصيادلة لأكثر من سنة وثلاثة أشهر، مما عطل إصلاح تسعير الأدوية ووضع المعايير المهنية . - تعقيدات نقل الملكية: إجراءات تفويت الصيدليات تتطلب مستندات معقدة وتخضع لضرائب باهظة تصل إلى 30% من قيمة الصفقة . تحولات سوق الدواء - انخفاض أسعار الأدوية: بسبب سياسات الضبط الحكومي. - تراجع الاستهلاك: بنسبة 30% بسبب التضخم وضعف القدرة الشرائية . - المنافسة غير المنضبطة: فتح صيدليات جديدة بمواقع غير مدروسة يزيد من تشظي السوق . الفصل 4: المستقبل – سيناريوهات متوقعة ومسارات للنجاة سيناريو التشاؤم: انهيار آلاف الصيدليات - بحلول 2030: قد يُغلق 50% من الصيدليات الحالية إذا استمرت الاتجاهات الحالية. - تداعيات اجتماعية: بطالة آلاف الصيادلة وخريجي كليات الصيدلة. ويمكن وضع سيناريو الإصلاح نحو نموذج اقتصادي جديد، وذلك ب: 1. إعادة هيكلة هوامش الربح: - مراجعة مرسوم تسعير الأدوية لضمان شفافية التكاليف . - إدخال رسوم الخدمات الصيدلانية (استشارات، تلقيح، مراقبة أمراض مزمنة). 2. تفعيل الحوكمة المهنية: - تسريع تنصيب المجالس الجهوية للصيادلة لتمثيل مصالحهم . - منع الترخيص لصيدليات جديدة في المناطق المشبعة. 3. دمج الصيدلي في المنظومة الصحية: - توسيع صلاحيات الصيادلة في صرف أدوية الأمراض المزمنة. - دعم تحول الصيدليات إلى مراكز رعاية صحية أولية . 4. الاستفادة من التغطية الصحية الشاملة: - إدراج الصيدليات في شبكة AMO-Tadamon لضمان تدفق مرضى مؤمن عليهم . الصيدلي المغربي لم يعد "تاجر دواء" فقط، بل حامل شهادة دكتوراة في مهنة تواجه تحديات وجودية. النجاة لن تكون بخفض التكاليف أو زيادة الأسعار، بل بإعادة تعريف دور الصيدلة من كشك بيع أدوية إلى مركز صحي مجتمعي يقدّم الرعاية والتوعية. الدولة مطالبة بتفكيك الجمود المؤسسي ، والمهنيون مطالبون بالابتكار في الخدمات، والمجتمع يحتاج إلى وعي بأن "الصيدلي الشاري" ليس عدواً، بل ضحية لنموذج اقتصادي متهاوٍ. مستقبل 90#9000 مهني صحي يُنتظرون بحلول 2025 يرتهن بقدرة الفاعلين على تجاوز التناقض بين الوفرة في العدد والندرة في الجدوى.