دورة تكوينة للأطباء الشرعيين حول بروتوكول إسطنبول

انطلقت اليوم الإثنين بالرباط، دورة تكوينية وطنية حول “بروتوكول إسطنبول: استخدام أدلة الطب الشرعي في التحري والتحقيق في ادعاءات التعذيب”، تنظمها رئاسة النيابة العامة، بشراكة مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وذلك لفائدة الأطباء الشرعيين من مختلف أنحاء المملكة.
وتندرج هذه الدورة، المنظمة بدعم من مركز جنيف لحوكمة قطاع الأمن، على مدى أربعة أيام، في إطار البرنامج الوطني لتعزيز القدرات المؤسساتية في مجال مكافحة التعذيب، وهي المحطة الخامسة بعد تنظيم أربع دورات جهوية سابقة بكل من الرباط، ومراكش، وطنجة، وفاس، استفاد منها مئات القضاة وممثلي الضابطة القضائية ومندوبية السجون والمجلس الوطني لحقوق الإنسان.
وبهذه المناسبة، أكد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، هشام البلاوي، في كلمة افتتاحية، أن المغرب يولي عناية خاصة لمناهضة التعذيب، مذكرا بمصادقة المملكة على اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب سنة 1993، وانضمامها إلى البروتوكول الاختياري الملحق بها سنة 2014، ثم إحداث الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب سنة 2019 في إطار المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
وأبرز البلاوي أن هذه الدورة التكوينية تكتسي طابعا خاصا، نظرا لكونها موجهة للأطباء الشرعيين، الذين يضطلعون بدور محوري في دعم القضاء عبر إعداد الخبرات الطبية المتخصصة وفق المعايير الدولية المعتمدة، ولاسيما بروتوكول إسطنبول في صيغته المراجعة، والذي يشكل مرجعا علميا أساسيا في تقييم آثار التعذيب الجسدية والنفسية وصياغة التقارير الطبية الموثوقة.
كما شدد على أهمية التكوين المستمر وتبادل الخبرات، مؤكدا أن تعزيز فعالية العدالة لا يتأتى فقط عبر تطبيق القانون، بل عبر تقوية كفاءة الفاعلين وتحديث الممارسات المهنية بما يضمن حماية الحقوق والحريات.
من جانبه، قال رئيس قطب القضاء الجنائي بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية حكيم مردي، إن المصداقية القضائية في قضايا التعذيب تتوقف، في جزء منها، على جدية الشهادة الطبية واستقلاليتها، مضيفا أن مواكبة الأطباء الشرعيين، عبر التكوين المستمر، والانفتاح على الاجتهاد الدولي، وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان، تمثل رافعة أساسية لترسيخ دولة الحق، وضمان المحاكمة العادلة، وصيانة الكرامة الإنسانية كما أرادها صاحب الجلالة الملك محمد السادس.
وأبرز في كلمة ألقاها نيابة عن الرئيس الأول لمحكمة النقض، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، أن الدور الذي يضطلع به الطبيب الشرعي في قضايا التعذيب لا يقتصر على تقديم خبرة طبية محايدة، بل يرتقي إلى مسؤولية أخلاقية وقانونية تندرج في صميم حماية الحقوق الأساسية، وضمان الإنصاف القضائي، خصوصا في الحالات المرتبطة بادعاءات المعاملة القاسية أو المهينة.
وأكد أن تعزيز استخدام الطب الشرعي في هذا الإطار، يمثل أحد الأسس التي تقوم عليها فعالية النظام القضائي في مجال مناهضة التعذيب، وتثبيت مشروعية تدخلاته، وتجسيد التزامه بضمان الحق في السلامة الجسدية والنفسية، لا سيما أن الخبرة الطبية تكتسي حجية متقدمة في توجيه سلطة القاضي نحو تكييف سليم للوقائع، واستبعاد أية وسيلة إثبات يشوبها العنف أو الإكراه. وفي هذا السياق، أكد أنه على مستوى الممارسة القضائية، راكم القضاء المغربي اجتهادات متقدمة في التفاعل الجدي مع مزاعم التعذيب.
من جهتها ، أوضحت ممثلة وزارة الصحة والحماية الاجتماعية فضيلة أيت بوغيمة أن هذا التكوين يأتي في إطار تعزيز القدرات المهنية للأطباء الشرعيين من أجل تجويد الخدمات الطبية الشرعية والقيام بها حسب المعايير الدولية المتعارف عليها.
واعتبرت الدكتورة آيت بوغيمة، الطبيبة الشرعية بالمستشفى الجامعي ابن سينا بالرباط، أن هذه الدورة التكوينية مناسبة لتبادل الخبرات وتعزيز المهارات في بناء منظومة أكثر فعالية وعدالة في مجال التوثيق والتحقيق في قضايا ادعاءات التعذيب.
وذكرت أن برتوكول اسطنبول، الذي يعد مرجعا دوليا أساسيا في توثيق حالات التعذيب وغيرها من ضروب المعاملة القاسية، يجب احترامه متى استدعى الأمر القيام بخبرات طبية شرعية تخص الضحايا المحتملين.
ويتناول برنامج هذه الدورة التي تعرف مشاركة نخبة من الخبراء الدوليين، من بينهم مساهمون في إعداد الصيغة المحينة لبروتوكول إسطنبول، مختلف الأبعاد العلمية والعملية لاستخدام الطب الشرعي في التحقيق في ادعاءات التعذيب وسوء المعاملة.